لم يتصرف الرسول (ص) كما لو كان اعظم او احسن من الآخرين، على الرغم من مكانته كقائد. لم يشعر الناس ابدا انهم ضعفاء او غير مرغوب فيهم او محرجين. كان يتحاور مع صحابته للعيش على نحو طبيعى و بتواضع ، و ان يطلقوا العبيد كلما استطاعوا وان يعطوا الصدقة خاصة للفقراء واليتامى والمساكين بدون التفكير فى اى مقابل.
- كان صلى الله عليه وسلم يأكل القليل و البسيط من الطعام و كان يفضل الا يملأ معدته. قد تمر أيام على بيت رسول الله لا تشعل فيها النار لطهو الطعام، وكان ينام على فراش متواضع على الارض
ولم يكن لديه أى وسيلة من وسائل الراحة او البهرجة داخل بيته البسيط.
- حاولت حفصة، زوجته ، فى يوم من الايام ان تجعله يرتاح في نومه أكثر خلال الليل عن طريق طى الحصيرة التي ينام عليها، بدون أخباره صلى الله عليه وسلم . نام فى هذة الليلة بسلام و لكنه استغرق فى النوم ولم يؤدي صلاة الفجر في وقتها. غضب الرسول من هذا التصرف لدرجة انه قرر ان لا ينام بهذه الطريقة مجددا.
- الحياة البسيطة و الرضا كانا من اهم التعاليم في حياة الرسول:
" عندما ترى شخص يملك من المال و الحسن أكثر منك، فانظر لمن لديه الأقل"، وبهذا سوف تشكر الله على عطاياه بدلا من ان تشعر بالحرمان.
- اعتاد الناس سؤال زوجته عائشة - ابنة أول و أوفى صحابته أبو بكر- كيف كان يعيش صلى الله عليه وسلم في المنزل؟ فكانت تجيبهم رضي الله عنها : "مثل اى رجل عادى ،كان يكنس المنزل، و يخيط ملابسه الخاصة ، و يصلح خفه ،و يسقى الجمال، و يحلب المعزاة،و يساعد الخدم فى عملهم ،و ياكل طعامه معهم، و كان يذهب الى السوق ليجلب لنا ما نحتاج."
- لم يكن لدى الرسول (ص) ثياب كثيرة، و كان يغسلها بنفسه . كان محب للمنزل و محب للسلام ، كان يقول:"عندما تدخل إلى منزل سل الله ان يباركه ." كان يحيي الآخرون بعبارة :" السلام عليكم." لان السلام هو اعظم شئ فى هذا الوجود.
- كانت الأخلاق الحميدة بالنسبة إليه ثوابت يجب الالتزام بها، و كان يحيى الناس بلطف، و يظهر الاحترام لمن هم اكبر سنا، وكما قال (ص) ما معناه :"أقربكم إلى مكانة أحسنكم خلقا."
- كل كلامه و تصرفاته والتي نجدها ضمن سنته المطهرة تدل على عظمتة و نبله، و عطفه ،و إنسانيته، و روح دعابته، و على سمو الاحساس الذى كان لديه تجاه الحيوانات و الأشخاص و خاصة تجاه أسرته.
- قبل كل شئ ، كان رجل يطبق كل ما يعظ به. حياته الخاصة و العامة كانتا مثالا رائعا لصحابته لكي يحتذوا بها.
- إذا ما قارنا بين حياة محمد ، صلى الله عليه و سلم، قبل رسالته و حياته بعد ان بدا رسالته ، سنستنتج انه من غير الممكن ان نعتقد ان محمد،صلى الله عليه و سلم، كان رسولا مزيفا و كان يدعي النبوة للحصول على ربح مادي، عظمة، مجد ،او سلطة.
- لم يكن لدى محمد ، صلى الله عليه و سلم، اى اضطراب مادي ، قبل بعثته. فقد حقق محمد (صلى الله عليه و سلم) لنفسه- كتاجر ناجح حسن السمعة- دخل معقول و مرضى.أما بعد البعثة، أصبح وضعه المادي سيئا.
لإيضاح ذلك سنستعرض الأقوال التالية من حياته:
-عن عائشة _زوج الرسول(ص)_ رضي الله عنها، قالت: " اه يا ابن أختي، لقد مرت بنا ثلاثة اشهر قمرية بدون اشعال نار ( لإعداد الطعام) في منزل الرسول. فسألها ابن اختها: " وما الذي أعانكم على ذلك؟ " قالت :" الأسودين (البلح و الماء).
و كان بعض جيران الرسول من الأنصار يملكون ناقة فيعطوا الرسول بعضا من لبنها.(البخاري و مسلم)
- عن سهل بن سعد، احد صحابة الرسول قال :" لم يصنع في بيت رسول الله ، صلى الله عليه و سلم خبز من دقيق فاخر منذ ان كلف بالرسالة وحتى مماته." (البخارى و الترمذى)
- عن عائشة رضي الله عنها قالت:" كان فراش الرسول، صلى الله عليه و سلم، حيث ينام مصنوع من جلد منسوج من خيط نخيل البلح."(البخاري و مسلم)
- عن عمرو بن الحارث، احد صحابة الرسول، قال:" أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يترك بعد مماته إلا بغل ابيض للركوب، أدوات قتاله (من سيف ودرع وخوذة)، وقطعة ارض تركها للصدقة". (البخاري و مسند أحمد)
عاش محمد ، صلى الله عليه وسلم، حياة قاسية حتى وفاته بالرغم من أن أموال المسلمين كانت تحت تصرفه، اعتناق الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية الإسلام وانتصار المسلمون بعد ثمانية عشر عام من رسالته.
بعد ذلك كله هل كانت نبوة محمد (ص) ادعاء في سبيل الحصول على مكانة، عظمة، وسلطة؟
الرغبة للاستمتاع بالمكانة والسلطة غالبا ما تكون مقترنة بالطعام الجيد، الثياب المختارة، القصور الفاخرة، حرس نابضيين بالحياة، و نفوذ لا يقبل الجدل.
هل كانت هذه هي الحياة التي يعيشها محمد (ص)؟
سوف نسرد لمحات من حياته (ص) لنجيب على تلك التساؤلات...
- على الرغم من مسؤولياته كرسول، معلم، رجل دولة،و قاض اعتاد محمد ، صلى الله عليه وسلم ، ان يحلب معزته بيديه الشريفتين، يصلح ملابسه، يرمم حذائه ، يساعد فى اعمال المنزل و يزور الفقراء والمرضى. لقد ساعد أيضا ( صلى الله عليه وسلم ) صحابته في حفر الخندق بنقل الرمل معهم... كانت حياته نموذجا مثاليا للبساطة و التواضع.
- لقد أحبه الصحابة ، واحترموه، ووثقوا فيه الى اقصى حد. وعلى الرغم من ذلك كله استمر في التأكيد على أن العبادة يجب ان تكون لله وحده و ليس له شخصيا.
قال انس (رض) ، احد صحابة الرسول، انه لم يكن هناك انسان أحبوه أكثر من النبي ، صلى الله عليه و سلم، وبالرغم من ذلك لم يسمح لهم بالوقوف له عند دخوله عليهم كما يفعل الناس مع عظماء القوم.
وفي بداية البعثة حينما لم تكن هناك مؤشرات تدل على نجاح الدعوة (وذلك بالنسبة للمشركين)، في الوقت الذي عانى فيه الرسول وأتباعه شتى أنواع التعذيب و الاضطهاد ، تلقى الرسول الكريم عرض مغر من سادة قريش، حيث بعثوا له عتبة قائلا :" إذا كنت تريد المال، سوف نجمع لك المال الكافى بحيث تكون اغنى شخص بيننا. وان كنت تريد القيادة سوف نجعلك قائدنا و لن نقرر اى امر بدون موافقتك. وان كنت تريد مملكة ، سوف نتوجك ملك علينا. والمقابل الوحيد المطلوب تنفيذه من قبل الرسول محمد، صلى الله عليه و سلم، هو التوقف عن دعوة الناس للإسلام و عبادة إله واحد بدون أي شريك.
الم يكن هذا عرضا مغريا لشخص يبتغى منفعة دنيوية . هل كان محمد، صلى الله عليه وسلم، مترددا عندما عرض عليه هذا العرض ؟ و هل رفضه كحيلة للمساومة لترك الباب مفتوحا امام عرض افضل ؟
كلا، بل ردد وبحزم قول الله تعالى: " بسم الله الرحمن الرحيم"
" تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت اياته قرءانا عربيا لقوم يعلمون ، بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون" 41:2-4 إلى آخر الآيات 38 من السورة نفسها.
وفى مناسبة أخرى، وكاستجابة لالتماس عمه للتوقف عن دعوة الناس للإسلام كان رد النبي (ص) مخلصا و حاسما: "يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ـ حتى يظهره الله أو أهلك فيه ـ ما تركته"
لم تكن معاناة محمد ،صلى الله عليه و سلم ، و صحابته فقط من الاضطهاد لمدة ثلاثة عشر عام ، ولكن الكفار حاولوا قتل الرسول عدة مرات وفي إحدى المرات قاموا برمي جلمود ضخم - لا يستطيع احدا ان يحمله- على رأسه، وفي مرة أخرى حاولوا قتله عن طريق تسميم طعامه.
ما الذي يبرر حياة مليئة بالمعاناة و التضحية كهذه ، حتى بعد ان انتصر كليا على أعدائه؟ ما الذي يفسر تواضعه و نبله اللذان أظهرهما في أعظم لحظات نصره ومجده مؤكدا على أن النجاح من عند الله وحده و ليس من عبقريته الشخصية؟
هل هذه مواصفات رجل أناني متعطش للمال والنفوذ ؟