تصاعدت ردود الفعل على موقف شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي تجاه طالبة في الصف الثاني الاعدادي لم تتعد الثانية عشرة عندما نهرها بشدة وطالبها بخلع النقاب اثناء تفقده لأحد المعاهد الأزهرية السبت الماضي بمناسبة بدء العام الدراسي، قائلا لها «النقاب مجرد عادة لا علاقة له بالدين الاسلامي من قريب او بعيد، وبعدين انت قاعدة مع زميلاتك البنات في الفصل لابسة النقاب ليه؟».
وعندما لم تجد الطالبة وسيلة اخرى سوى تنفيذ الأمر بخلع النقاب وكشف وجهها، فرد طنطاوي قائلا: «لما انت كده امّال لو كنت جميلة شوية كنت عملتي ايه؟».
ردود الافعال تباينت ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، خصوصا تجاه التعنيف الشديد الذي وجهه طنطاوي للطالبة.
وكعادتها سارعت جماعة الاخوان المسلمين التي عادة ما تدخل في صدامات مع شيخ الازهر الى ادانة موقفه وهددت بالمطالبة بعزله اذا اتخذ قرارا بمنع النقاب، بل ووسعت انتقاداتها لتشمل وزير التعليم العالي بعد شكاوى عشرات الطالبات بمنعهن من الاقامة في المدن الجامعية بسبب النقاب.
الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية للاخوان حمدي حسن استنكر في سؤال وجهه الى رئيس مجلس الوزراء خطاب شيخ الازهر للفتاة، عندما قال لها «انا باعرف في الدين احسن منك ومن اللي خلفوكي»، مشيرا الى ان الأخطر هو قوله لها لاحقا «لو كنت جميلة أو حلوة شوية كنت عملت ايه؟».
وأكد النائب، في سؤاله البرلماني، ان مخاطبة فتاة في المرحلة الاعدادية بتلك اللغة والاسلوب قد سبَّب لها حرجاً بالغاً وسط زميلاتها، وصدمات نفسية داخلية، مشدداً على خلو حديث طنطاوي من قيم الرحمة والنصح الذي يجب ان يكون عليه علماء الأمة الاجلاء.
المنتقبات والمتبرجات
وانتقد قول شيخ الأزهر بعد تلك الواقعة انه سيصدر قرارا بمنع المنتقبات، سواء كن معلمات أو طالبات، من دخول المعاهد الأزهرية، متسائلاً: «الا يعلم فضيلته انه يزور معهدا دينيا، وسيجد فيه عدداً كبيراً من المنتقبات؟، فاذا أراد ان يزور معهدا، ولا يرى منتقبات ولا محجبات، فعليه ان يزور معهدا للرقص الشرقي.. وحينها لن يجد منتقبة واحدة، ولن يجد نفسه مضطرا إلى ان يصدر قرارا بمنع النقاب، محذرا من أي قرار يتخذ بمنع النقاب في المدارس والجامعات لان ذلك سيؤدي إلى كثير من المشاكل وقد يدفع بالاخوان إلى المطالبة بعزله.
من جانبه، قال منظر الجماعة الإسلامية واحد قيادييها التاريخيين ناجح ابراهيم: مع تقديري لشيخ الأزهر فانه لا يحق له اجبار الفتاة على خلع النقاب، لانه لا يستطيع ان يمنع المتبرجات من السير في الشارع أو الذهاب إلى المدارس، وانه رغم ان النقاب ليس فرضا، فانه أمر مستحب قد يصل إلى الوجوب في بعض الاحيان، لان المنتقبة تحافظ على نفسها ومجتمعها.
وأوضح ابراهيم لــ«القبس» انه حتى الانكار له طريقة مهذبة وراقية والنصيحة لها آداب، وهذه طفلة من المفترض الا يجرح مشاعرها فشيخ الأزهر قدوة ولا يجب ان يكون فظا غليظ القلب، لان هذا لا يليق بالدعاة والعلماء، وكان من الاولى ان ينصحها باللين والرفق، مؤكدا ان النقاب لا يمثل تطرفا أو تشددا وانما يعبر عن حياء المرأة، وطالما اعطينا الحرية للمرأة ان تخرج متبرجة فلا يحق لنا ان نمنعها منتقبة لكن العميد السابق لكلية الدراسات الاسلامية بنات، الدكتورة آمنة نصير قالت لــ «القبس»: احقاقا للحق انني لا أوافق على ما سلكه شيخ الأزهر، لانه اكبر من ذلك بكثير، وكان يكفيه ان يصدر امرا بمنع النقاب في المعاهد وجامعة الأزهر، لانه ليس فريضة اسلامية وهو موروث ورثناه منذ عهود بعيدة من توراة العهد القديم في «سفر التكوين اصحاح 38 و24»، التي تشير الى قضية النقاب، واضاف اليها احبار اليهود من التشدد بأن خلع النقاب محرم، وان من تظهر وجهها فهي زانية.
وأضافت: الاسلام لم يفرض النقاب ولم يأمر به، لكن الآراء التي تدعم النقاب تستند الى رؤى اعرابية ترى انه كلما اخفت المرأة زينتها تعززت صورتها ومكانتها، واعطوا لهذه التصورات ابعادا دينية لتثبيت فكرة النقاب.
وقالت: الحقيقة ان من ينظر الى النصوص الاسلامية يتأكد ان الاسلام لم يأمر بالنقاب على الاطلاق، وان المولى عز وجل قال «وليضربن بخمرهن على جيوبهن»، وليس على وجوههن، وعندما امر المولى بغض البصر للرجال والنساء، فإن ذلك يعني وجود مجتمع مفتوح ومختلط بين الرجال والنساء يلتزم فيه الطرفان بغض البصر.
واعتبرت امنة نصير ان شيخ الازهر محق في منعه للنقاب كمسؤول عن المعاهد الازهرية، لكن ليس له حق في ان يجرح مشاعر فتاة صغيرة، والجمال مسألة نسبية، وذلك الموقف قد يسبب جرحا نفسيا للفتاة قد لا يلتئم، مؤكدة ان بعض الفتيات اصبحن يستغللن النقاب بشكل سيئ ويتخفين تحته لممارسة الكثير من الاخطاء.
لا داعي لارتدائه
من جانبه، اوضح الكاتب الصحفي صلاح عيسى لــ «القبس» ان تصرف طنطاوي فيه الكثير من الابوية ورأيه صحيح، خاصة ان المعهد خاص بالبنات ولا يوجد داع لارتدائه، بل ان اغلب الفقهاء يرى انه عادة وليس عبادة.. وهو ايضا ما دفع وزير التعليم العالي بمنع النقاب في المدن الجامعية حتى لا تتسلل اليها فتيات غير منتميات الى الجامعات او يتسرب شباب، وسبق ان قام شباب بالتسلل في زي منقبات.
وقال نائب رئيس حزب الشعب الديموقراطي المحامي بالنقض خالد فؤاد المحامي:
شيخ الازهر هو رمز ديني من رموز الاسلام، وهو يعتبر سلطة دينية، وسلوكه هذا يبدو في الظاهر انه تعد على الحرية الشخصية، لكنه في حقيقة الامر هو الذي نرجع اليه عند الاختلاف، لانه يترأس مجمع البحوث الاسلامية، كما يعد شيخ الازهر من اولي الامر الذين يوجهون المجتمع في ظل فتاوى الفضائيات، وفوضى المفاهيم المغلوطة التي ادت الى ظهور جماعات تكفيرية وهدامة كثيرة، ما ادى الى ظهور فوضى في المجتمع، واصبحت هذه المجموعات تكون مجتمعات مغلقة فيما بينها، تشرع، وتحرم، وتحلل، ولا بد ان يتصدى شيخ الجامع الازهر لما يراه خاطئا، او مضرا أو مهلكا للمجتمع الاسلامي، وسوف يسأل امام الله سبحانه وتعالى ان رأى منكرا ولم يغيره.
واضاف فؤاد: نحن لم نطلع على ظروف الواقعة، لكن هذه الطالبة كانت ذاهبة لتلقي العلم، وعلى شيخ الازهر ان يقوم بدوره في تقويم سلوك الفتاة، وارجو ان تزيد مساحة دوره حتى يحدث انضباطا لفوضى فتاوى الفضائيات.
ومضى يقول: كان عنيفا مع الطالبة، لكن العبارة التي اطلقها لا يعاقب عليها قانونا لانها ليست الفاظا خادشة للحياء، وانما قيلت بصفته قائما على رأس المنظومة التعليمية للازهر الشريف، ولم يحدث تعدٍ منه باليد على الطالبة، ولم ينزع عنها الحجاب بيده، لكنه امرها فأطاعت.
واضاف: عندما تحضر منقبة امام القضاء، لا بد ان تكشف عن وجهها، ويطلب منها القاضي ان تكشف وجهها ليتعرف على شخصيتها، وذلك من صلاحيات القاضي، وهي من صلاحيات ولي الامر، ولكن ان حدث ذلك من شخص غير شيخ الازهر ليس له حق القوامة فإن الامر يعد اهانة، فالصفة تعطي سببا من اسباب الاباحة بالضبط، مثل وضع طبيب النساء يده على اماكن حساسة من جسد المرأة عند توقيع الكشف الطبي عليها، ولا يعد ذلك جريمة هتك عرض، كما سيحصل ان فعلها شخص آخر.